رنين الفجر على الأرض

رنين الفجر على الأرض


عبدالرحمن عفيف

 

العصفور والشجرة

فيلنيوس

مائة فستان

اللقالق

ذكرى

نسيانٌ

الأبله

صخرةُ الأزهار

سفنٌ صفراء اخيرة

أدغالٌ

ديناصورات

مللٌ

يأس

اختفاء

الى جسد - أمينة-

الشعر الجانح بعد الظهيرة

Susanne

 
    
كيف أيّها الجسد الجميل الذي يشبه جسدي

جفوني النحاسية الخضراء

يتضاءلُ تدريجيا

وداعا لي

الضوء كما سابقا

أقل كلام

قلبُ الحدائق

قبل الأوان

رعيانٌ

الأيام الموهومة

السفينة

الشجرةُ جدّ كئيبة

آخرُ مَنْ

رحيل

صلاةٌ

غبارٌ

خلف الشجرة

خيانةٌ  

مبغى


 
--------------------------------------------------

كيف أيّها الجسد الجميل الذي يشبه جسدي

 

كيف أنشر هذا الهواء الذي تعلق بقلبي كالأزهار

ووضعني على الدرج الجميل مابعد الظهيرة

ووضعني بالقرب من المدينة ووضعني بالقرب من يدي السحاب

لكن هكذا بعيدا ..

كيف أعرف النظرة أفتح الشباك أغني

 كيف أرى

سوف يرميني الصيف كأرجوحة معبأة بالأطفال على العشب

الناحل

والفراشات التي بقيت يقظة ستحوم على هيكلي

الذي لن تعرفه..

الأشجار ستتساءلُ عن يوم ولادتي ..

القطط ستعرف أنني من عشيرة

أخرى

الكلاب سوف تشمني وتمضي

الآلهةُ الجالسة بهدوء عقلها على كراسي أعضائي

تريد أن تبكي.. لكني أنظرُ في عيونها

***

يداي المربوطتان الى سياج النور..

عيناي كجرة ماء زجاجية

تتقدمان في لحظة ماضية

تفتشان عني

جسدي كله يعبّىء نفسه بالأفكار فلا يستطيع الطيران

جسدي كله يفتقد حديقته..

لا يفعل شيئا

ينتظرُ من يأمرهُ..

انه مؤلمٌ.. انه مؤلم

***

نسينا منذ البارحة أن نقطع أيدينا ونحب

نسينا أن نحطم قلوبنا ونحب

نسينا أننا في مأدبة أخرى

نسينا أن الريح ليست ريحنا كي نتنفس

منذ البارحة فقط مرت البيوت المحمولة على الجفون

والمحمولة على ظلال تعبنا الدبق

كان فيها أناس يلوحون لي ويغيبون في القبور

أسفا عليّ..

قبورهم في قلبي

***

كيف أنساك أيها الجسد الجميل الذي يشبه جسدي

أيقظتني اليوم والبارحة كنتَ بجانبي حين نمت وأراك الآن تحزن

لأجلي

أيقظتني اليوم والبارحة وقبل سنة وقبل سنتين

كنت تريد أن تقبل شفتي لكن كنت تخجل وكنت تريد أن تنام في

سريري

لكنك كنت تخجل وصدفة رميت بيديك على يدي

كانت يداك قلوبا كثيرة

سقطت كلها على العتبات والشوارع وعلى جنبات المآذن

أيقظتني اليوم وقبل ذلك ذهبت أردت أن تقول لي وداعا

لكنك لم تقل لأنك أردت البقاء

وقلبك كان قريبا مني كنت أتنفسه

 قلبك كان مثل وردة بجانبي

كنت أشمه ..

أردتُ أن أقطفه لكنك قلت - أنه ليس لي

كيف أيها الجسد الجميل الذي يشبه جسدي

***

وقلنا إنّها كرة تلك الشمس وحين كبرنا كبرت الكرة

والذين كانوا يلعبون كانوا أصدقاءنا الصغار

كانوا يتقافزون على النهر يحسبونه جدهم

مررنا بأيدينا على الغبار المتساقط من لعبهم

مررنا بأيدينا على عيوننا

قررنا أن نلعب..

قررنا أن ننام هنا

تحت دفء ما

 كأمرأة تخرج من الماء المنساب

تحت سوق القمح وطراوة الليل

لكن هكذا بعيدا..

هكذا

 بحيثُ الأجراسُ التي في الأزهار لم أعد أعرفها

الثعابين الذهبية تسترق النظرات نائمة دون أن تبالي بي

وأصوات الأعياد على السطوح تخفق بهدوء على ظهري

ولا أسمعها..

الزمن يمتد في الظل ..

يمتد أعمق في الرض ويغرق هناك

التشبيهات الأخرى للسكارى تتدحرج على ذبح الخراف في العيد

المدينة تمتلىء بصوت الدفوف ..

المتصوفة يخرجون

المطر ينسى نفسه لسنوات عديدة

ودم يظهرُ في كل زاوية

قلبي متقلصٌ يعوي ببطء تحت الظلال

قل لي : كيف أعرف نفسي ثانية للعشب على فم الجدران

كيف أقدم يدي للفراشات

كيف أركضُ لتركض الفراشات حولي ثانية

قل لي : كيف أتنفس الهواء الذي تنفسته ذات يوم

وتركتُهُ هناك يحترقْ

وتركتُ نفسي هنا أحترقْ

 

 

جفوني النحاسية الخضراء

 

فليكن الباب ثقيلا

والنوافذ بستائرها الغليظة

لن أرى الشمس بعد

العشب سأتذكره كأنه حلمٌ

والأصدقاء الذين كانوا لي

سقفا أو أجنحة

سيتحسرون عليّ لقد أخذته الأشياء

فيما مضى كان لي أشجار تأتي إليّ حينما تتألم

سترمي حنينها الآن بلا أية مبالاة

كان لي قلبٌ يغني كلما بللته قطرة نور

فليكن الباب ثقيلا

يقفل العيون

الصمت القاسي سيكون جليسي مع أول حركة لجفوني

والتنقلات البوهيمية للتصورات ستصنعُ ذاتي

سيكون من الصعب أن أصدق حتى أشد الأكف حنانا

وبيسر حتى الأضواء الحقيقية للأحلام

ستنمحي من قسماتي

وكأنما أتيتُ من كوكب غريب سينظرُ الي

الذين لن يروني الا مرة وحيدة

ستكون لي أفاعي الزرقاء

وجفوني النحاسية الخضر

والذين سيحبونني بأكثر صدق سيكونون الأكثر خسارة

سأحبسُ نفسي جيدا

بحيث تكون الشتاءات مثل لغط يُسمعُ آتيا من أحياء بعيدة

والضياء البسيط الذي ستشف عنه الستائر الغليظة

سيكون ذكرى قلبي الذي كان ينبضُ في ذات مرة

وأحيانا ساضحكُ طويلا بحيثُ

تتطايرُ غيماتٌ كثيفةٌ من الغبار

من الستائر المحكمة

بقوة فوق قلبي الخشبي المهترىء

 

 

يتضاءلُ تدريجيا

 

بدون فائدة أحبك

أشرّد هذا القلب في أكثر الشوارع ظلاما

وأجبر نفسي أن تنسى نفسها

أن أعبر بدون أن أرى الناس

وأفلت أصابعي كاشرطة لا مبالية

أرمي بنفسي في أشد كسل

حتى تتكاسل عن حبك أيضا

بدون فائدة

سوف أهرول من الغرفة في منتصف الليل

لأسمع صراخ البط البري

في سربه الأبيض السريع

سوف لن أنام

بسبب القهوة الكثيفة والشاي المتكرر

في الصباح سأكون نصف شبح

متعبا ومتوترا

أخبط في الكلام دون فائدة

أزعجُ أصدقائي وأمي

ولا ألبثُ أن أهيء نفسي للشوارع في الظهيرة الفارغة

حيثُ دون فائدة ساحبك يوما آخر

ستسمعين

كم أني مستاء

وضائعٌ أسمع صراخ البط البري

يتضاءلُ تدريجيا

 

وداعا لي

 

شكرا لأمينة-غدا

شكرا للسيف المصلت على قلبي في الجحيم

للجسد الأصفر الشاب

شكرا في أول الطريق

حيث قدماها تحطمان زهور الصباح

حين تفتح الباب- فتدخلُ جثتي

- صباح الخير

شكرا لأمينة أخرى قبل خمس سنوات

لطائر نحيف يتلو مدرسة وقناني محطمة وياسمين

شكرا لأمينة اليوم

وهي تعبّىء الماء ليوم غد

أو تجلس أمام الباب تبحثُ عن ملامحي في العابرين

اليوم بقميص فاتح تطبخُ حساء للعائلة

شكرا لزجاجة مليئة بدمي على الطاولة

لأصابعي مطبوخة لعيني في صحن صغير لوجبة قبل النوم

شكرا لقلبي المعد شرائح بيديها

شكرا لأمينة في المستقبل

سفينة مهدمة تزين أقصى الغرفة

مزهرية ذات عنق طويل

ووداعا لي خلف الباب

في زهور نارية على ذراعيّ

 

الضوء كما سابقا

 

الأفق الأخضر تحت حاجبيك

الأرض المزروعة بالسماء ترتعشُ

مَن يعرف الأشجار النحيلة في الوادي!

الحجر الشتائي الذي يقنصُ الروح!

الشخص الذي يفكك الأوراق عن يديه

***

سوف تمر جرارةٌ حزينةٌ تحرثُ هذا الشتاء

ومن الأفق الأخضر ستبدو دروبٌ تشبه هذا المساء السكران

من منزل مضاء الى شجر معتم

سيتفرجُ الليل على أحجاره

سيتوه حتما سيتكثف حتما

تحت حاجبيك ترحل الطيور

السماء تشبه الطريق

حيث الأضواء تنغمسُ الى الأبد

تغدو بقايا النبات شيئا فشيئا

صامتة أكثر ومجهولة أكثر

 

من يمر سيعرف كل شيء أعدّ له

سيتقبل الأمور مثلما تأتي

مع ذلك سيتالم بقوة

سيتألم بحقيقته أول مرة

هنا سيعرفُ الطيور شركاءهُ

والأرض حديقته

ولكلّ حركة يكون لسان

ومهما انتظرنا لن نملّ.

 

 

أقل كلام

 

على الأقل كنتِ تركت خيطا على شفتي

على الأقل هشّمت في صيفا خاصا بك

على الأقل كنت سكنت في أصابعي

على الأقل كنت غنيت صباحا حزينا لأجل جثتي

ورحت ..

على الأقل

وردتك كانت مستريحة على السياج المضفر

على الأقل صمتك

كان الأقل احتمالا الآن وغدا

وربما رأيتك مرة أخرى

على الأقل كنت تركت سفينة مهشمة في الغرفة

علىالأقل

مشيتُ على الحبل المقطوع بيننا خطوة واثنتين

على الأقل

كنت مصمما وأرادتي نسرٌ أبيض

على الأقل

كنتِ متدرجة على العتبات الأخيرة

على الأ قل كانت بعض المفاتيح مكسورة

ورأيتك ببقية شموع وكرسي يسند وحدتك

وكنت على الأقل أحبكِ

أكثر من أي وقت مضى

وأقلّ من أي كلام.

 

قلبُ الحدائق

 

هذه اللحظة

حيث الطائر المتماسك

بأشدّ حنين يضم جناحيه

على ورقة فالتة من

قلب السهر

الشخص الذي يتمايل على

الحدائق

لن يأتي الليلة أيضا

أو لن يصل أبدا

سيكون المساء معتما ثقيلا

والأوتار القريبة

لن تكون

ستسقطُ ارياشها الحمراء

كقلب الحدائق.

 

قبل الأوان

 

وغدا أجدك مطمورة في يدي

وغدا أشياء للشوق ..

 مائدة مطعمة بكسلها

غرفة بحنفية ذات صدى وحيد

مشجب كهل.. سقيفة لا تدري بأنك مطمورة في يدي

فتجرحها قبل الأوان

سأنهضُ صباحا منك

أطاردُ الطائر الذي نقر دماغي طوال الليل.

 

أمورٌ كثيرةٌ تُوضعُ جانبا

 

 

رعيانٌ

 

رعيانٌ كثيرون

يجرّون النهار الى قطيعهم

يأكلون النار والعشب

جسدي الذي لم يبقَ له شمسٌ

يتحطّم.

في فمه زهرةٌ لا يدري أين

يضعهُا.

 

 

الأيام الموهومة

 

العاصفة في يدي تهذي منذ دهر بالأزهار الحليبية

بالعيون التي تغسل يدي صباحا الى آخر صوت لطائر نختفي معه

العاصفة الليلية الهادئة

كم سأمشي في التراب المبلل لأول شتاء

أصنعُ لقدمي أياما موهومة

أصنعُ لقلبي مناظر صعبة تحت اليابس من النهار

غير مبال باللغط المتصاعد من الجدران

ولا بثرثرات الأنحاء

في عاصفة جد هادئة

حتى كأنني سأولدُ بعد قليل.

 

السفينة

 

أقبلتُ منذ منتصف الصيف

بداتُ اقطع قميصي وأركضُ في الليل

هناك الناس الذين هربوا مني

دون جدوى

هناك الكلاب التي نبحتُ في فمها

وكان لي إذنٌ خاصٌّ أن أجعل نفسي فأسا

 

فكروا معي:

- السفينة لا تغرقُ دون جدوى!

 

الشجرةُ جدّ كئيبة

 

لن أعرف البردانين

تحت حائط الصباح

مناقيرهم طويلة

 

ستكون الشجرة جدّ عالية وكئيبة

وجثثُ الطيور ستملأُ البقعة أمام الباب

أنتم يا صخب الليل الجنوني

يا سحابة من نباتات سقيمة

سيكون من الصعوبة أن تجدوا غير هذا اللغو

غير هذا الربيع الذي يمضي بقسوة

 

آخرُ مَنْ

 

كأنني أمشي وأمشي

أنام وأنام

رأيتُ هذه الدرجات بحجارتها كمدافن لأقوام آ شورية

وسومرية وأنباط

غيّرت منحنى قلبي لأسقط في العتبة الشجرية للطريق

ولأتذكرَ:

 

- مرّ هذا الطريق على قلبي منذ زمن

والذين لم يعرفوني هززتُ لهم يدي

لأجد نفسي بصحبة الناس

ووقفتُ طويلا حتى أحسستُ بذوباني في الزاوية

 

رحيل

 

سأرحلُ

سوف أتعلّم من قسوة سلحفاتي

سأضحك ملء قلبي

ولن تجدوني أبدا

سوف أعرف البحر بقوة سمكة

سأستمع جيدا للفراشة

ثمّت الكثيرُ كي يُعرف

ثمّت الحياة الواسعة التي تخبّىء نفسها

أسرارٌ كثيرةٌ وقوارب

وهنا- لا يُطاق.

 

صلاةٌ

 

أنا جذع شجرة جذع دون غصن

رأسي عصفور خجول

أنا قفزة تجلس هنا باكتئاب قليل

تنظرُ..

قفزةٌ - بعضهم يتملكهُ الخوف منها-

كونها منعزلةٌ جدّا

 

 

من أنتِ ! أنت التي تحبينني

التي وضعتْ يديها على قلب ماضي

وضعته في منتصف الشمس

جسدك ! ما هو ؟

الصلاة التي نسيتني بالقرب منها

أأنا أصلي!!؟
أصليه شاملا إيّانا.

 

 

غبارٌ

 

خرجت الأغنام الى الباحة

حدّق العشاق طويلا في رائحة حبهم

حدّقوا في طيّات المرايا في جوانب الستائر

الإبر المغروزة في كرتها

المقص وما كنة الخياطة

الّذين اقتربوا بشغف من فستان العروس

الذين تبادلوا تحيّة الصباح أمام المسجد

وإن رأيتك ثانية!؟

إن رأيتك ثانية.

 

خيانةٌ

 

في محطّة القطارات ينام المدمنون

تتصادم الحقائب المحمولة على عربات صغيرة

أطلبُ من أكثرهم جنونا نارا لسيكارتي

صار لي سنة أصعد الى حيث القطارات تختفي

صار لي سنة لم أعد أبحثُ عن عينيك

أحدق في العيون البنفسجية والخضراء

أرغبُ أن أشتري لكل عينين باقة ازهار

أرغب أن أرافق كل رقيقة

أن أقبّلها وأقول: وداعا يا حبيبتي.

 

مبغى

 

هنا تعيشُ الفتيات عاريات

يأكلن روائح السوسن التي يجلبها الرجال من الفصول

ينظرن الى قلوبهن ممزقة وقديمة

يتذكرن أصوات طفولتهن أمهاتهن وعيون آبائهن الكليلة

المرايا والعطور الفساتين وصباغ الظافر

في عيونهن بركة ماء

عليها حجرٌ ثقيل.

 

خلف الشجرة

 

يا حبيبتي

خلف جبين الشجرة

شجرة التوت

خلف جبين الريح

ريح عامودا

خلف جبين الزمن

زمن قلبي

خلف جبين حبيبتي

شجرة توت

آكلُ منها ثمار الرصيف.

 

العصفور والشجرة

 

سترميني العاصفة في قلبها

الشجرة ستأخذ مني قميصي

العصفور سيعطيني ريشة وحيدة

الفصول الأنثى ستقبلني طويلا

الصمت سيعطيني فتاة ذهبية

الأسواق المتأخرة ستعطيني وترا أخيرا

سوف آخذ الحانات الى حنجرتي

الأوكار التي صنعناها في الثلوج ستعطينا أوكارها

الصيف سيسقط علي بثماره

وأنا الطرق الضيق في القصائد.

 

فيلنيوس

 

أنت ذاهبٌ في شوارع فيلنيوس

ضائعٌ في الكنائس

تصير حجرا

يأتي نورسٌ اليك

جناحهُ صليبٌ مكسور

 

مئة فستان

 

كيف أخبيء نفسي في الكلمات جيدا

كي تنطقينني

كيف أشعل صمتي كانه جريحٌ في فمي

كيف أدخلُ أوراق النوم كي أنامك

كيف أمشي في ذراعي الورود

كيف تقطفيني بيديك

كيف أنتحرُ في اسمك!

كي تكتبينني دائما

كيف أراك في مرآة

في جسدي مهشمة

حيث أنت مئةُ يد جميلة

مئةُ فستان

مئةُ هواء

يرفعُهُ قليلا.

 

اللقالق

 

يا سيّد اللقالق

الظلالُ تمتدُّ على شجرتنا المكتهلة

اضرب بأجنحتك الهواء الخائف في الزوايا

حيثُ تنام طفولتنا كزهرة بتويجات متقلصة

وليخفق الباب لأسمع

أنّي لم أمتْ هكذا باكرا!؟

 

 

ذكرى

 

فرادى على الماء

تسقطُ في أياديهم عصافير شاردة

تشبههم منحنيات الأشجار

تشبههم الطاولات

الكلماتُ تخرج منهم برضى

تأخذُ الريح عقولهم تضعها على الشجار

تقتربُ منهم الفصول تلمسُ ثيابهم

.............

هما صامتان

بقلّة يلتفتان الى هذه الجهة

أو إلى الأخرى.

 

نسيانٌ

 

صاروا ناحلين كخيط الحنين

نسوا الحيطان التي سوّرت حياتهم الأولى

نسوا الحروف الأصلية التي حفّفت لسانهم

والشوارع المظلمة

نسوا الابتسامات والبكاء وأن يقولوا لأصدقائهم أهلا

أن ينحنوا ليشموا وردة

أن يعتنوا بقطعانهم

أن يعدوا عدّتهم للشتاء

نسوا أن يقولوا لأمهم

- أماه قلبي يتألم

صاروا لا يقوون أن يقوموا من السهول الخضراء المميتة

 

الأبله

 

لقد أكلتني الأعشاب والمياه

حتى بتُّ لا أتكلم

أصبحت أقول نعم لكل شيء

للظلام وللنور

لا يهمّني شيء أقول لنفسي:

- هذا مصيري وينبغي أن أمشيه

لقد أصبحتُ نحيفا

ثمت أشياء تحدثُ بالرغم عني

هل هناك حاجة أن أقول كل الأشياء

تبّا للشعر يجعلني أنحف

يبدو أنني لم أعد أميّز بين الظلام والنور

آه ..

ثمت قلبي الذي يألم لوجع أي انسان

لأي حشرة

لكن ينبغي أن أكون قاسيا كالحياة نفسها

ينبغي ألا أتحطّم

والآن..

لقد تغيرت الكثيرُ من الأمور

والّلين الذي في نفسي كبيرٌ للغاية

بحيثُ لايخفى

الشمس تجعلني أكثر نحافة

هل هذا مصيري

أأستطيعُ أن أمشيه...؟

 

 

صخرةُ الأزهار

 

الأفق محمرٌ وبرق يرسلُ حيواناته البرتقالية

ثمت ليلٌ كثيف دفاترمملؤةٌ وكتب كثيرة ينبغي أن تُقرأ

وروحٌ عطشانة

السهل الخضر وأفق يرتاحُ بقبضاته البيضاء على التلال

عشبٌ طريُّ واشجارٌ قليلةٌ

ثمت نغمةٌ هي نفسها منذ سبعة أعوام

وهيكلٌ عظميٌّ واحدٌ ونفس تقاسيم الشمس

غبارٌ يملأُ النوافذ

وروحٌ مقيدةٌ

أفكار عديدةٌ تنغمسُ في الماء القديم

وبقايا أمشاط تتسلل الى الصمت  والكثير من الصفحات

الشبيهة ببعضها على الرفوف

ثمت آلامٌ في الأسنان وعواطف مفاجئة هشة

وروحٌ ضجرةٌ

جاءني جناحان التصقا بكأس الماء

جاءتني رسالتان مجهولتان

جاءتني أسماءٌ كثيرةٌ دون أبدان

ونزفتُ كثيرا من الملل ومن الحنين

والآن روحي مثلما هي

مقيدةٌ إلى نفسها بالهواء اللآمعقول..

 

سفنٌ صفراء اخيرة

 

الأوراق الأخيرة سفينةٌ محطمة في قاع الأرض

أصداف صفراء تدخل حديقة الظهيرة

بأي ألم

بأي مواجع للأمّ تتركُ المبنى الحقيقي

الأوراق المتعددة

المولودة مع أنفسها بشكل واحد

تقريبا في الممرّات المشمسة والأخرى الضيقة

في الشوارع الفسيحة والأخرى الخانقة الوسخة

في البلاد البعيدة في بلاد صغيرة كراحة اليد

كلّها الشبيهة مثلما يشبه الإنسانُ الإنسان

والأرض ..

هل هي الأم الحقيقية

إذن كم أمّا للأوراق الأخيرة والمطر

هذا الجرس الناعم هذا الرنين في أواخر الليل

هل هو الأب

أيّة سلطة له هذا الناعم

أيةُ مواجع للأوراق الأخيرة وهي تنالُ حظها الأخير

ونحن.. هل نتنازل ونحدقُ في المنظر

صلاتنا هي نفس الصلات

والحركة التي تعبر هنا تعبرُ هناك

والصمتُ هو نفسُهُ

النباتات أخواتنا الخرساوات

في المدينة في طاحونة ما أو في القلوب

بينما تمرُّ سيّارةٌ

بينما يعبرُ طائرٌ مشتاقٌ

بينما تحدّقُ القلوب صبيحة أحد الأيام

 

أدغالٌ

 

روحي تختبىء في الأدغال الكثيفة

لا يظهرُ سوى صوتها النحيل يعبرُ أجمة

رطبا ومخيفا مثل أفعى مريضة.

قلبي منارةٌ من الأحلام المنهارة على بعضها

مثل ساعة معطّلة على طاقات ورد معتقة

أتعلّقُ بأدنى رغبة تنبشُ العشب الذي يغطي

عيني ورأسي

وأتبع أضعف أمنية تنهضُ من الحجارة المهشمة على ساعدي

نائمٌ مثل دهور مخبّأة في صلصال مهترىء

تغطيني ابتسامات النمور الباهتة والغيمات الجافة

يؤنسني أحيانا رنينُ الفجر على الأرض  الصخرية

يؤنسني أحيانا نسرٌ ينفضُ الأشواك والضجر

من جناحيه.

 

ديناصورات

 

في سوق البلدة

في سقف الصباح حيث تتجوّل الديناصورات

ذات سلال رومانسية

أضحك من كل هذه الوجوه التي أعرفها

ايه..

كان هناك زمنٌ آخر كلّ شيء فيه دون ثمن

ولم أكن اريد

والآن هناك ديناصورات ذات سلال رومانسية

تضحكُ وتتجول

.............

بغباء يتحدثُ الإنسان عن الزمن الفائت

كلّ حين تكون الأشياء دون ثمن

وكلّ حين هناك ديناصورات ذات سلال

لأجل الضحك.

 

مللٌ

 

أنا مَن كان يجلسُ وحيدا ويغنّي عن الجراح بدأتُ أملّ

بدأت تظهرُ في يدي أوراق غريبة عن النمور والأشباح

بدأت أصواتٌ عديدةٌ تناديني

 

هلْ أَصفُ الربيع الذي كنتُ أمشي فيه مثل نبي

أم الذي كنتُ قبلهُ مراهقا ومكسوا بالحقول

أم أصف الربيع الذي قبلهما

أم الآن

حيثُ جسدي يتمطّط على دخان أفكاري

حيثُ الورود مغطّاةٌ بطبقة من ثلج أصفر

أدركُ الآن جيدا غرامي بالأشياء الخرافية

والنداءات الصامتة

دون جدوى

بدون أمل تقريبا

أتطلعُ من وراء الغلالات الكثيفة الى الفتيات الصغيرات.

 

يأس

 

سوف أبني هذه السفينة بحجر ذكي فوق حجر ملون

أنقشُ الزوايا بزيوت منتصف الليل بالمقاهي على المنعطفات

كلّ كرسي أرياش ريح ذات لهجة

سيضحكُ الجمع مارّين بي

ضحكهم حجرٌ آخر لتكملتها

 

خرجتَ كهذا النبات الطريّ

شبّهت نفسك بالطائر وقدت أجنحتك الطويلة

خلل ضباب لعثمتك التقطت الحنين

بنيت مدنا ذات أصباغ قويمة

لم تبقَ فيها كانت أصواتُ الأجنحة التي تضربُ اللغات تنهمرُ في

الخارج

كان يشدّك الألمُ على عنقك بمئة نهار

 

 

بعد أن يبس المساء

بعد أن مرّ شبحُ الصمت بمظلة غامقة تحت الكنائس

بعد أن أغمض الناسُ قلوبهم

بعد أن نمت مليئا بالضجر والتماثيل

بعد أن متَّ يوما آخر

إنّهم هناك يجمعون لآلىء ما تبقّى في ذاكرتهم من رحمة

أو يتحدّثون عائدين من نزه الغابة

 

 

كيف يغيب المنحدر

تحت قلبه ترتفع العصافير

نحيلة كنفس الهواء

ثمت الماء والموسيقى اللذان يتحركان في شتاء عيوننا

نمضي كهذا المرض

في أنحائنا تتشابك أغصان الشجر السوداء

مخفية شتاءات طويلة

 

 

الحدائقُ التي تغزلها الظلمة برحمتها الرطبةُ

نركض فيها نجمعُ في أيدينا أحزمة ظلالنا

صبورين تفوحُ منا الطيور

نغني أغاني ترددها الحدائق

ولا يدري النهار المضيءُ كيف يجمعُ ثانية

كل هذه القيثارات

كيف يتصرّف مع هؤلاء الصبورين

 

 

سوف تعطيك الحديقةُ طرقات الفجر النحيلة

حين تذوب الشمس على حوافّ الأوراق

سيناديك الظل كأخٍ

تبحثُ عن الحديقة التي تبحثُ عن شمس عينيك

عن الصور التي تتصورك في أعماقها

الناي الذي يقبّل الغيوم

ثم على أصابع أذنيك يميل.

 

اختفاء

 

يشبه أن تميل عليه الوردة أن تعطيه يدي حبيبته

يشبه أن ينام في جفون الكتب

حيث تتكاثر شهقات الشهب

يشبه أن يحب كثيرا وينهار في الغياب

ومظلته من جملة وحيدة قيلت على غفلة

وكلامه الصباح المفتّت على حجر لامع

يشبه أن يمضي وظله في منحنيات الظهيرة

باحثا عن جدار طين وشربة ماء

يشبه عامودا ذات لقطات الأعشاش أواخر الخريف

حينما تُجدّدُ القلوب

ويضحك حين يرى كم صارغريبا عن أن يشبه نفسه

يشبه الشمس التي علّقتها أمّه على كرسيه

ليجلس صباحا يتناول الفطور

يُشبه أن يغيب هكذا فجأة ليبحثَ عنه الجيران

مستدلين بعواطف الزهور.

 

 

الى جسد - أمينة-

 

يذهب الرّعاة الى شرود الأمطار

وتتهادن قلوب الصبر حتّى يكون هواء

يغطي مرور المزامير المفجوعة بعاشق

 

 

حيت تتعرّى الشهوات الحليبية جنب فم البركة

وتصبح أعمدة المرمر مرايا التويجات والصفائح وريح النهود

حين تأخذُ الإلتفاتاتُ العطر الهابَّ من كل فتنة

حين يسيل العسلُ على ركبة الظهيرة جالسة تمشط

شعر الندم..

يا حبيبتي.. يا دم طيوري.

 

 

ما تبقّى من الحبّ يأتي من الأليم

قام الغرباء بتفحص الصورالمقلوبة على جدران قلبه

أمسكوه

بكى..

سقطتْ أسراب الورد البريّ من قميصه الأبيض ..

طارت من أذنيه

أغاني السّهر ..

خرج الى الدرج أغمض يديه

وبكى

بشعره الطويل..

أسبل على قلبه السهول الداكنة

المستنقعات المملحة..

أيادي النداءات السقيمة

أغطية نوم الزرازير

التقاط السنونو

طين أعمامه

فقر سماء

ذات قمرأهيف وقال:

تعالي

يا حبّي الشريد.

 

ظلالٌ ولحفٌ

 

لمَ لا تنظرين إلى قلبي المجفّف على الأحجار

تحت المزاريب تحت لحف الصيف

حين تغطّي النجوم الصغيرةُ أطراف أصابع قدمي

 

الكراسي والدفء البارد على جلودها

 

غيمةٌ بيضاء بعد قليل من بين المقاعد

سنوات المدرسة

 

الظلُّ الأول للمسجد تراه راكعا

الثاني ساجدا

الثالث: شمس وجهك جهة المحراب

 

غير أني أحبك وتعرف

غير أني خيطٌ ذبيحٌ في هواك

 

اقترابُ يدي من يديك

كاقتراب الحروف من الحروف

في كلمة -أحبك-

 

إبريق الشاي يحكي مع النافذة

أمّي ويداها

أبي وشقيقاته الكتب

قطّة البارحة السمينة

واليوم بصغارها الثلاثة

صارت عائلتنا اكبر.

 

 

الشعر الجانح بعد الظهيرة

 

خليطٌ من الابتسامات

حشدٌ من الورود

مزهرية من قناني الانتظار

الزمن الراحل في الخسارة

الوقوف أمام المكتبة البيتية الصغيرة

والتمعّن بانتظار القهوة

زمن سقوط الاناء من الطاولة وانحناؤه مثل مستسلم عاشق

طرقات الباب في الفجر

حيث تتكوم الأحلام بانتظارالصباح

الشهيق الحقيقيّ في شارع المدرسة

الضيّق الجانبي

حين ترينني أوّل مرة

حين أوّل مرّة حشد من الورود تنزل من التفاتك

حين أوّل مرّة يكون الطريق طويلا

كافيا لأرشّ الملح على جراحي

الشعرالجانح إلى لعبة التنس بعد الظهيرة

الأسئلة الغامضة عن العيون

الشبه بيني وبين الأصدقاء

الغيوم التي تثقلُ عقلي قبل المساء

أحجار درج البيت المختلفة الإلقاء والمشهد

المئذنة المطلة على استيقاظ الصيف

البطيخ الذي يؤكل دون خبز

حين أتذكرك مع لقمةٍ.

 

 

Susanne

 

كُلُّ الّذين يُحبّونكِ ينظرونَ من عينيَّ إليكِ

كلُّ الذين أحبّوكِ يلمسونكِ بيديَّ

كلُّ الّذين أحبّوني يلمسونني بيديكِ

وأنا حجرٌ جريحٌ أمامكِ

أنا حجرٌ قديمٌ أمامك

حجرٌ بألفِ زاوية

أمامكِ

 

مقتطعٌ من جَبلٍ مليءٍ بصمت واسع

مقتطعٌ من تلال مليئة بصمت كبير

مقتطعٌ من روح مليئة بأجراس صامتة

تكفي هبّةُ ريحٍ من الألم

كي أصبح جبلا واسعا

مليئا بصمت واسع

 

جسدكِ الغامض النحيلُ كورقة تتركينه عليَّ كأنّي شجرة

جسدُكِ الغامض النحيلُ تتركينه جنبي كأنّي أمٌّ

جسدُكِ الأبيضُ النّحيلُ تتركينهُ عليَّ كأني غيمةٌ وكغيمة تقبلينني

كأنّي مزهريّةٌ

أو ابنكِ..

 

أو النّسيان الذي تتذكّرينه فجأة هنا..

كجسد نحيل آخر

كشوق قويّ آخر.

 

 

حبّكِ يقبَلني ليلا دون أن أدري

يضغطُ علي يديَّ دون أن أدري

حبّكِ يمشي في الغابة وحيدا ليلتقيني هناك جنب المراجيح

الرّيحُ تضربُ شعره القصير

حبّك يقبّلني ليلا دون أن أدري

ينظرُ إليّ دون أن أدري

حبّكِ يحبّني أكثر منك أحيانا

لا يريدُ أن يتركني أكثر منك

يقبّلني ليلا طويلا

وينساكِ.

 

كيف تصبحين ماضيا لي؟!!

 

 

طعمُ فَمك زهرةٌ كبيرةٌ

 

- سوزانا- ابتسامةٌ تنضجُ بتمهّل حجرٌ أشقرُ على زاوية فمي

ورقٌ واسعٌ من هواء

يدٌّ تصحو قبلي

وفمٌ يقبّلني بعمق

الضّوء الذي يطبخُ الشاي ثم يجلسُ لينير أصابعي

الأنفُ الذي يشمُّ عظامي

لقاءٌ يُحتفى به بسنوات من القُبل.

 

سلسلة حجلنامه الشعرية

الكتاب الأول

1

رقم الإيداع:91-973958-0-3       ISBN

لوحتا الغلاف

بهرم حاجو

الإشراف الفني

محمد سعيد الحسيني

الطباعة

ZAGROS MEDIA

ODINSGATAN 6-8

411 03 GÖTEBORG

SWEDEN

TEL/FAX

0046(0)31 806555

التوزيع

حجلنامه

TEL/FAX

0046(0)31249262

hajalnama@maktoob.com

الطبعة الأولى

تشرين الأول  2000

 
Der Klang der Morgendämmerung auf der Erde